سيرة سلفنا الصالح ۞
صفحة 1 من اصل 1
سيرة سلفنا الصالح ۞
الصبر على البلاء سبب جلب معية الله الخاصة
أعظم الصبر هو الصبر عن معصية الله عز وجل، أحياناً الإنسان من يأسه وضجره من نفسه ومن المجتمع الذي حوله يبدأ يشغل نفسه بأشياء من اللهو الباطل، ويضيع حياته،
لا يا أخي الكريم! كن منارة لهؤلاء الأصحاء الذين لا يشعرون بالنعمة العظيمة التي يتنعمون بها ليل نهار. رجل من الأعيان ومن أغنى الأغنياء في مدينة القاهرة ،
ابتلاه الله تبارك وتعالى بمرض خبيث -نسأل الله أن يعافينا وإياكم منه!- فقطعت ساقاه، ومع ذلك هذا الرجل -والله- نزوره لننظر إلى وجهه فقط، فنرى الرضا على وجهه،
ولسانه ينطق بالرضا، ومع ذلك لم يرزق ولداً، وله إخوة في غاية العقوق، أخوه يسكن في الشقة المقابلة له في نفس العمارة التي يمتلكونها، يقسم لي بالله أن أخته تظل ثمانية أشهر لا تأتيه،
ولا تسأل عنه وبين الباب والباب متر واحد فقط، ثمانية أشهر لا تأتيه، ويدخل في غيبوبة ويفيق من الغيبوبة ولا تأتيه، ولا يأتيه أولادها،
ومع ذلك فالله تبارك وتعالى جعل أفئدة الدعاة إلى الله عز وجل تهوي إليه، فمنتدى الدعاة كلهم عند هذا الرجل، تنطق أساريره بالرضا. يذكرني بكلام ذكره شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله، كان يقول: كانت إذا ضاقت بنا الدنيا وأدركتنا الوحشة؛ ذهبنا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فما هو إلا أن نراه، ونسمع كلامه، حتى يذهب عنا كل الذي نجده. مع أن شيخ الإسلام ابن تيمية من أشهر المبتلين؛
فقد سجن سبعة عشر عاماً متفرقات، بسبب فتاويه التجديدية، لقد جدد دين الله تبارك وتعالى، وتحمل الأذى وصبر، ومع ذلك كان هذا الرجل مبتلى؛
إذا جاءوا ونظروا إلى وجهه تبدد ما يجدونه من ضيق النفس، وما هذا إلا للرضا الذي كان يشعر به شيخ الإسلام ابن تيمية . أنت -أيها المبتلى الصابر- في معية الله تبارك وتعالى العامة، وكذلك المعية الخاصة: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153] هذه هي المعية الخاصة التي هي أجل من المعية العامة، المهم أن تحسن ظنك بربك تبارك وتعالى، ولا تصرف عمرك ووقتك إلا فيما يرضيه،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ساعة تمر على ابن آدم لا يذكر الله فيها إلا ندم عليها يوم القيامة). فأقول لكل أخ معاق: كن منارة، واضرب المثل للذين يرفلون في ثوب العافية،
اجعلهم يحتقرون أنفسهم عندما يجدونك في الصف الأول في الصلاة، برغم أنك معاق ولا تتمتع بالحرية التي يتمتعون بها، فلعل أحداً ممن يراك يحتقر نفسه،
ولربما كنت معلماً وإن لم تكن صاحب لسان. نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يجعل ما قلناه وما سمعناه زاداً إلى حين المصير إليه،
وعتاداً إلى يوم القدوم عليه، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
الشيخ ابو اسحاق الحويني
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عروة بن الزبير الصابر المحتسب
وفي الحكاية الصحيحة الثابتة: أن عروة بن الزبير بن العوام -وهو أحد التابعين الكبار- رحل إلى عبد الملك بن مروان ، وكان في رجله مرض ودبت إلى رجله الأكلة،
فلما وصل إلى عبد الملك بن مروان استشرى المرض في رجله، فقال الطبيب له: لا حل إلا أن نقطعها لك، قال: وكيف ذلك؟ قالوا: تشرب خمراً حتى نستطيع أن نقطعها لك فلا تتألم
. فقال: ما كنت لأستعين على دفع بلاء الله بمعصية الله، ولكن دعوني حتى إذا دخلت في الصلاة فاقطعوها -لولا أن أسانيد هذه القصة صحيحة لما كاد المرء يصدقها!-
قال: فلما دخل في الصلاة قطعوها فما أحس بها، وبعد أيام من قطع رجله، سقط ولده من على سطح الدار فمات، -وكان عنده سبعة أولاد-
فبلغ ذلك عروة فقال: اللهم لك الحمد، أخذت واحداً وأبقيت ستة، وأخذت عضواً وأبقيت ثلاثة، اللهم لئن ابتليت فلقد عافيت،
ولئن أخذت فلقد أبقيت، قال الله تبارك وتعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
أنموذج عظيم في الصبر على البلاء
وقد روى الإمام ابن حبان رحمه الله في كتاب الثقات قصة عجيبة لمعوق من أشهر المعوقين
في تاريخ المسلمين وهو الإمام الكبير العلم أبو قلابة الجرمي عبد الله بن يزيد وكان من الرواة عن أنس بن مالك رضي الله عنه،
ويروي هذه القصة عبد الله بن محمد . قال: خرجت مرابطاً في عريش مصر ، فبينما أنا أمشي إذ مررت بخيمة وسمعت رجلاً يقول:
رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل:19]
قال: فنظرت إلى هذا الرجل الذي يدعو فإذا هو معاق، وقد فقد يديه ورجليه، وفقد بصره، وثقل سمعه، فجئته وقلت له: يا عبد الله!
إني سمعتك تقول كذا وكذا، فعلى أي شيء تحمد الله؟! فقال له: يا عبد الله! والله لو أرسل الله الجبال فدمرتني، والبحار فأغرقتني، ما وفيت نعمة ربي على هذا اللسان الذاكر، ثم قال له: لقد فقدت ابني منذ ثلاثة أيام،
فهل تلتمسه لي؟ وكان ابنه هذا يوضئه ويطعمه، فقلت له: والله ما سعى أحد في حاجة أحد أفضل من حاجتك. قال: فتركته وخرجت أبحث عن الغلام،
فما مشيت قليلاً إلا وأبصرت عظمه بين كثبان من الرمل، وإذا بسبع قد افترسه، قال: فوقفت وقلت: كيف أرجع إلى صاحبي وماذا أقول له؟! وجعلت أتذكر،
قال: فتذكرت أيوب عليه السلام فلما رجعت إليه سلمت عليه، فقال: ألست بصاحبي؟ قلت: بلى. قال: فماذا فعل ولدي؟ قلت: هل تذكر أيوب عليه السلام؟
قال: نعم. قلت: ماذا فعل الله به؟ قال: ابتلاه الله عز وجل في نفسه وفي ماله، قال: فكيف وجده؟ قال: وجده صابراً، قال: ولم يكن ذلك فقط، إنما انفض عنه القريب والبعيد،
ورفضه القريب والبعيد، قلت: وكيف وجده؟ قال: وجده صابراً، يا عبد الله! ماذا تريد؟ فقال له: احتسب ولدك، فإني وجدت سبعاً افترسه بين كثبان الرمل، قال: الحمد لله الذي لم يخلق مني ذرية إلى النار،
وشهق شهقة فخرجت روحه فيها، قال عبد الله بن محمد : فقعدت حائراً ماذا أفعل، لو تركته لأكلته السباع، ولو ظللت بجانبه ما استطعت أن أفعل له شيئاً. قال: فبينما أنا كذلك إذا
هجم علي جماعة من قطاع الطرق، فقالوا: ما حكايتك؟ فحكيت لهم الحكاية، قالوا: اكشف لنا عن وجهه، فكشفت عن وجهه فانكبوا عليه يقبلونه وهم يقولون:
بأبي عيناً طالما غضت عن محارم الله، وبأبي جسماً كان على البلاء صابراً، قال: فغسلناه وكفناه ودفناه، ثم رجعت إلى رباطي.
قال: فنمت فرأيته في منامي صحيحاً معافى، فقلت له: ألست بصاحبي؟ قال: بلى. قلت: فما فعل الله بك؟ قال: أدخلني الجنة وقال لي:
سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24] فهذا كان معوقاً لكن سلم قلبه. إن الطب النفسي كله في الوقت الحاضر يعالج شيئاً واحداً فقط، وهو اضطراب القلب،
والخوف من المجهول، وأغلب -إن لم يكن كل- الأطباء النفسيين مرضى ويحتاجون إلى علاج؛ لأنهم ينصحون المكتئب بمعصية الله عز وجل. أعرف طبيباً يذهب إليه المتكئب فيقول للمكتئب:
هل أحببت امرأة قط؟ يقول له: لا. يقول له: هل لديك علاقة مع أي امرأة؟ يجيب المكتئب: لا. يقول الطبيب: هذا السبب، لابد أن تحب، الحب حياة القلب. يسأله الطبيب مرة أخرى: هل تسمع موسيقى؟
يجيبه: لا. فيقول: لابد أن تسمع الموسيقى حتى ترتاح أعصابك. هؤلاء الأطباء مرضى، وإن الطب النفسي الحقيقي كله موجود في
آية في كتاب الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: ( إنا لفي سعادة لو علم بها ملوك الأرض لجالدونا عليها بالسيوف )،
السعادة هي: السلام النفسي الذي يشعر المرء به، لو بذل المرء كل غال ونفيس ما استطاع أن يشتري قلب أحد،
فالاكتئاب والخوف إنما هو بسبب ضعف هذا القلب. إذاً: الإنسان لابد أن ينظر إلى قلبه، فقوة الجارحة تابعة لقوة القلب،
وضعف الجارحة تابعة لضعف القلب، وأنت ترى الرجل القوي الفتي صاحب العضلات المفتولة ربما تقول له خبراً ما يجعله يخر صريعاً على الأرض..
لا تحمله قدماه برغم سلامة العضلة وقوة الجارحة، لماذا سقط هذا الرجل؟ لضعف قلبه، فعزمك في قلبك، لا يضرك ما فاتك في جارحتك.
وهناك كثير من أهل العلم والفضل ابتلاهم الله تبارك وتعالى بنوع من أنواع البلاء، فعندنا مثلاً الإمام الأعرج عبد الرحمن بن هرمز ،
وهو من أشهر الرواة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولا يعرف في كتب الحديث إلا بـالأعرج ، وكذلك عاصم بن سليمان الأحول ،
لا يعرف في الكتب إلا بـالأحول ، فإذا قيل: الأحول عن أنس فهو عاصم بن سليمان ، وكذلك الإمام الترمذي صاحب السنن ولد أعمى،
والإمام حماد بن زيد -أيضاً- ولد أعمى، وكذلك قال العلماء في ترجمة حماد بن سلمة : كان عابداً زاهداً لو قيل له القيامة غداً ما قدر أن يزيد في عمله شيئاً،
وكان حماد بن زيد ضريراً ويحفظ حديثه كله، وهو من الأئمة الثقات الذين عقدت عليهم الخناصر في العدالة والضبط. فنحن يجب أن ننظر نظرة اعتبار إلى هذا القلب،
فالقلب ملك البدن، وإذا طاب الملك؛ طابت جوارحه، وإذا خبث الملك خبثت جوارحه، وهذا القلب الذي به قوام حياتك هو في يد الله عز وجل،
فأنت لا تملكه ولا تستطيع أن تتصرف فيه، فأحياناً تغلب على حب شيء ما يتلفك وتنفق مالك كله بسببه، وربما فقد المرء سمعته،
ومع ذلك يقول: قلبي ليس بيدي، فلو كان قلبه بيده لما كفر ولا جحد ولا نسي الله طرفة عين، لكن قلبه بيد الله عز وجل.
وإلى هذه الآية العظيمة الباهرة أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان أكثر يمينه يقول: (لا ومقلب القلوب)
إشارة إلى أن هذا القلب لا يحسن أحد التصرف فيه، ولا الهيمنة عليه إلا الله تبارك وتعالى،
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله عز وجل يقلبها كيف شاء)
فالبلاء ليس غضباً من الله تعالى، كما أنه ليس رضا، أعني: أن البلاء ليس علامة غضب أو رضا،
ربما يبتلي الله عز وجل العبد في الدنيا ويزيده في الآخرة عذاباً، وربما ابتلاه في الدنيا ليرفع درجته،
ولكن ما هو الضابط؟ إن الضابط استقامة المرء على المنهج الحق وعلى طريق الله عز وجل.
دخل رجل على أحد أصحابه في القرن الثالث الهجري فوجده مريضاً يئن،
فقال له: ليس بمحبٍ من لم يصبر على ضرب حبيبه، فقال له الرجل: بل ليس بمحب من لم يتلذذ بضرب حبيبه.
براءة- مشرفه متمييزه
- عدد المساهمات : 1061
نقاط : 3256
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 29/06/2010
مواضيع مماثلة
» سيرة سلفنا الصالح ۞
» الولد الصالح مرحله ما قبل الحمل
» الولد الصالح مرحله الجنين
» الولد الصالح عمليه الولاده والاستعداد لها
» الولد الصالح مرحله ما قبل الحمل
» الولد الصالح مرحله الجنين
» الولد الصالح عمليه الولاده والاستعداد لها
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى