فتوحات الخلفاء المسلمين

من طرف **محمود صابر** الخميس يوليو 15, 2010 12:09 am

الفتوحات في الشمال الإفريقي والأندلس
أولا: فتوحات حسان بن النعمان الغساني:
استشهد زهير البلوي وأصحابه في معركة مع البيزنطيين في مدينة درنة بشرق ليبيا ودفن مع أصحابه، وقبورهم هناك معروفة إلى اليوم تسمى مقبرة الشهداء وكان ذلك 71هـ[1]، وكان وقع استشهاد زهير بن قيس البلوي ورفاقه عظيماً على الخليفة عبد الملك بن مروان لذلك ما إن انتهى من حربه مع ابن الزبير حتى أولى اهتماماً خاصاً إلى الوضع في شمال إفريقيا، لذلك نراه يجهز جيشاً كبيراً قوامه نحو أربعين ألف مقاتل غالبيتهم من أهل الشام، وعهد بقيادته إلى حسان بن النعمان الغساني الذي كان رجلاً ورعاً تقياً يدل على ذلك تسميته بـ((الشيخ الأمين))[2]، وقد أقر الخليفة حسان بن النعمان أن يقيم بمصر استعداداً لإنجاز مهمته وكتب إليه: إني قد أطلقت يدك في أموال مصر، فأعط من معك ومن ورد عليك من الناس، وأخرج إلى جهاد إفريقيا على بركة الله[3]. وقد وصف ابن الأثير عظمة هذا الجيش من حيث تعداده وعدته بقوله: لم يدخل إفريقيا جيش مثله[4]، وكان بداية الغزو في عام 74هـ[5]، وقد تمكن هذا الجيش من فتح المناطق التي مر بها وكان على مقدمته كل من محمد بن أبي بكير وهلال بن ثروان اللواتي[6] ووجود هذا الأخير كقائد على مقدمة الجيش حسان يشير إلى مشاركة البربر بشكل كبير في هذه الحملة[7].
1 ـ فتح قرطاجنة:
وصل حسان القيروان ودخلها دون أن يواجه أي مقاومة ثم توجه بعد ذلك إلى الشمال حيث قرطاجنة القاعدة البيزنطية على الساحل[8]، وسار حسان إلى قرطاجنة وكان صاحبها أعظم ملوك إفريقية، فلما وصل إليها رأى بها من الروم والبربر ما لا يحصى كثرة[9]، ولم تطل المعركة مع البيزنطيين ودخل حسان قرطاجنة عنوة، ولم يكد حسان ينصرف منها عائداً إلى القيروان حتى عاد أهلها للاعتصام بها مرة أخرى، مما اضطر حسان لفتحها مرة الثانية[10]، فهدم المسلمون ما أمكنهم منها[11]، لكي لا يعود إليها من يطمع بالتحصن بها. ثم أعقب حسان حملته هذه بحملة على ططفورة وبنزرت فافتتحها ولم يتبع المنهزمين من الروم الذين تحصنوا في مدينة باجة ولا البربر الذين تحصنوا في مدينة بونة[12]. وعاد حسان إلى القيروان، لأن الجراح قد كثرت في أصحابه فأقام بها حتى صحوا[13].
2 ـ هزيمة حسان أمام الكاهنة:
وبعد ضرب الروم التفت حسان إلى زعامة البربر، فقال: دلوني على أعظم من بقي من ملوك إفريقية؟ فدلوه على إمرأة تملك البربر وتعرف بالكهانة[14]، والتقى حسان بن النعمان بالكاهنة عند نهر يدعى نيني أو مسكيانة على مرحلة من باغاي ومجانة فانتصرت الكاهنة وقتل من المسلمين خلق كثير وانسحب حسان إلى قابس[15]، وقامت الكاهنة بالهيمنة على المغرب كله بعد حسان خمس سنين، فلما رأت إبطاء العرب عنها قالت: إن العرب إنما يطلبون من إفريقية المدائن والذهب والفضة ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي فلا نرى لكم إلا خراب بلاد إفريقية كلها، حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلا آخر الدهر[16]، واستجاب لها قومها من جراوة الذين كان يغلب عليهم الطابع البدوي فذهبوا إلى كل ناحية يقطعون الشجر، ويهدمون الحصون[17].. فكانت إفريقية من طرابلس إلى طنجة ظلا وقرى متصلة فأخرجت جميع ذلك[18]، وقد أضر هذا التخريب بالبرانس والأفارقة حتى ألجأهم إلى الفرار وطلب المساعدة، وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خلق كثير مستغيثين مما نزل بهم من الكاهنة، فيتفرقوا على الأندلس وسائر الجزر البحرية[19]، وملكت الكاهنة إفريقية وأساءة السيرة في أهلها وعسفتهم وظلمتهم[20].
3 ـ استعادة البيزنطيين قرطاجنة وانسحاب حسان إلى سرت بليبيا:
كان لسقوط قرطاجنة بيد المسلمين أثر بالغ على البيزنطيين ووجدوا في خروج حسان من إفريقية والفوضى التي عمّت البلاد مجالاً لإعادة نفوذهم في الشمال الإفريقي، فجهز الإمبراطور ليونتوس ـ الذي خلف جستنيان الثاني ـ سنة 695م حملة كبيرة بقيادة البطريق يوحنا إلى إفريقية وأعد أسطولاً كبيراً لنقل الجند إليها، فتمكنت القوة البيزنطية من استعادة قرطاجنة سنة 78هـ، دون مقاومة تذكر واضطر أبو صالح نائب حسان عليها أن ينسحب منها مع من كان معه من المسلمين ودخلها البطريق يوحنا[21]، ويتضح من دراسة حركة الفتح أن مصير المغرب كان مرتبطاً إرتباطاً وثيقاً بالأوضاع في المشرق وأقام حسان في منطقة طرابلس قرب سرت في المكان المسمى قصور حسان خمس سنين، وحين استقرت الأوضاع في المشرق سارع عبد الملك بإرسال المدد إلى حسان وأمره بالمسير إلى إفريقية في أواخر سنة 81هـ[22].
4 ـ مقتل الكاهنة: 82هـ
كان خالد بن يزيد العبسي أسيراً عند الكاهنة، فأرسل إلى حسان: إن البربر متفرقون لا نظام لهم ولا رأي عندهم فأطوي المراحل وجد في السير[23]. ودارت المعركة بين الكاهنة وحسان على مقربة من قابس وانتهت بنصر كبير للمسلمين، وبمقتل الكاهنة عند بئر سمي بئر الكاهنة[24]، وبعد هذا الانتصار عاد حسان إلى القيروان في سنة 82هـ، ومنها زحف إلى قرطاجنة وأعاد فتحها[25]. وبهذا النصر المزدوج خلصت أرض إفريقية للمسلمين، تلت ذلك فترة استقرار ثم انطلاق لفتح ما تبقى من المغرب[26].
5 ـ سياسة حسان مع البربر:
أ ـ إدخالهم في قيادة الجيوش:
نهج حسان نفس السياسة التي سار عليها أبو المهاجر وهي تأليف البربر وإشراكهم في الفتوح ولعله توسع في ذلك بإدخالهم في الجيش على نطاق واسع[27]، فكانت سياسته خطوة كبيرة في اكتساب ولاء البربر وإخلاصهم، ففي حملته الأولى عين هلال بن شروان اللواتي قائداً على مقدمته مع اثنين من العرب هما محمد بن بكير وزهير بن قيس[28]، كما استعان بالبربر كعيون فقد أرسل أحد رجالهم الذي أسلم طوعاً ليأتيه بالأخبار عما يجري في معسكر الكاهنة[29]، ورحب بولدي الكاهنة وولى أكبرهما قيادة الجيش في منطقة الأوراس واثقاً بإخلاصه وحسن إسلامه مما أدى إلى إسلام نفر كبير من البتر[30]. ويبدو نجاح سياسته من استغاثة أهل قابس وقفصه وأهل نقراوة به فسره ذلك[31].
ب ـ المساواة بين البربر والعرب المسلمين:
حين جند حسان البربر ساوى بينهم وبين العرب المسلمين وذلك وفقاً لمبادئ المساواة في الإسلام، ففرض لهم ومنحهم نصيبهم من الغنائم[32]. ثم خطا خطوى كبرى بأن قسم المغرب خططاً للبربر[33]. ويبدو أن حساناً اعتبر أرض المغرب أرضاً أسلم عليها أهلها[34].